يقول أنس بن مالك رضي الله عنه:
كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار يُكنى أبا مِعْلَق،
وكان تاجرا يتجر بمال له ولغيره، يضرب به في الآفاق وكان ناسكا ورعا.
فخرج مرة فلقيه لص مقنع في السلاح
فقال له: ضع ما معك فإني قاتلك .
قال ما تريد إلى دمي شأنك بالمال.
قال: أما المال فلي ولست أريد إلا دمك.
قال: أما إذا أبيت فذرني أُصلي أربع ركعات،
قال: صل ما بدا لك،
قال: فتوضأ ثم صلى أربع ركعات.
فكان من دعائه في آخر سجدة أن قال:
يا ودود ياذا العرش المجيد أسألك بعزك الذي لايرام، وملكك الذي لايضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني، يا مغيث أغثني ثلاث مرات.
فإذا هو بفارس أقبل بيده حربة واضعها بين أُذني فرسه فلما بصر به اللص أقبل نحوه فطعنه فقتله.
ثم أقبل إليه فقال: قم. قال: من أنت بأبي وأمي فقد أغاثني الله بك اليوم؟
قال: أنا ملك من أهل السماء الرابعة دعوت بدعائك الأول،
فسمعتُ لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعتُ لأهل السماء ضجةً.
ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل لي دعاء مكروب فسألت الله تعالى أن يُوليني قتله(1).
هكذا عندما تنزل المحن و تشتد الخطوب وتتوالى الكروب وتعظم الرزايا وتتابع الشدائد،
لن يكون أمام المسلم إلا أن يلجأ إلى الله تعالى ويلوذ بجانبه،
ويضرع إليه راجيا تحقيق وعده،
الذي وعد به عباده المؤمنين
إذ يقول الله تعالى:
وقال ربكم ادعوني استجب لكم [فاطر:60].
ويقول:
وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون [البقرة:186].
فإني قريب ..أجيب دعوة الداع إذا دعان ..
أية رقة؟
وأي انعطاف؟
وأية شفافية؟
وأي إيناس؟
وأين تقع تكاليف الحياة في ظل هذا الود، وظل هذا القرب، وظل هذا الإيناس؟
وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان أضاف العباد إليه، والرد المباشر عليهم منه ..
ولم يقل: فقل لهم: إني قريب ..
إنما تولى بنفسه جل جلاله الجواب على عباده بمجرد السؤال فقط!،
قريب .. ولم يقل أسمع الدعاء ..إنما عجل بإجابة الدعاء:
أجيب دعوة الداع إذا دعان .. إنها آية عجيبة ..
آية تسكب في قلب المؤمن النداوة الحلوة، والود المـؤُنس، والرضى الـُمطمئن، والثقة واليقين ..
ويعيش منها في جناب رضيّ وقربى ندية،
وملاذ أمين وقرار مكين ،
قال عليه الصلاة والسلام:
((ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له))(1)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لم يسأل الله يغضب عليه))(2).
أيها الأخوة في الله:
في ظل هذا الأنس الحبيب، وهذا القرب الودود، وهذه الاستجابة الحية ..
يلفت الله تعالى نظر عباده المؤمنين إلى قضية كبرى
وهي أن قضية إجابة الدعاء معلقة بالإستجابة التامة له،
والإيمان به فقال:
فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون الاستجابة الكاملة التي تعني السير على المنهج الأوحد الذي اختاره الله لعباده وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولاتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون [الأنعام:153].
الاستجابة لله تعالى التي تعني الانقياد التام لأمره ونهيه والتسليم لقضائه والخضوع لجنابه، وبدون ذلك ربما تتعذر الإجابة.
اللهم تقبل دعاءنا آمـــــــــــــــــــــــــــــــــــين..............