هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصوردخولالتسجيل

 

 من قصص **زكية علال**

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
رحاب الجنة
.
.
رحاب الجنة


عدد المساهمات : 2365
عدد المساهمات : 10388
تاريخ التسجيل : 09/11/2009
العمر : 28

من قصص **زكية علال** Empty
مُساهمةموضوع: من قصص **زكية علال**   من قصص **زكية علال** Emptyالأربعاء 7 يوليو 2010 - 9:13




شرايين عارية










كانت الساعة تزحف نحو الثامنة وخمس عشرة دقيقة مساء بتوقيت خط الوجع الذي
يفصل دمي عن ممرات قلبي ويقسمني شطرين متنافرين ، غير متوازيين ...
أحدهما تملأه الرغبة في الحياة والاستمرار ، والآخر يسكنه اليأس ويستوطن في
جيوبه الإحباط ...شطران يتنافسان على ملكية أنفاس مكدودة ... بل يتآمران
على رجل يحمل شهادة عليا لم يعد يعلقها على الحائط افتخارا ، وإنما يدسها
بين أغراضه القديمة هروبا من أسئلة أولاده ، ويقف منذ -سنين - منتصبا على
مساحات النهار كبائع في متجر لبيع ملابس نسائية !!




عندما تقدمتُ لخطبة سلمى ، لم أحمل لها وردا كما يفعل
المحترمون ... ولم أطرق بابها بعقد ثمين كما يفعل الأغنياء ... بل نقرت على
نافذة قلبها بنكتة سخيفة جدا ... قلت لها : " أحمل شهادة عليا في العلوم
السياسية ، وأعمل بائعا في متجر لبيع ملابس نسائية "




صمتت ... والصمت واجهة القبول ، لكن أمها ابتسمت لسخافة
النكتة وردت وهي تمسح على انكساري:




" ستفرج إن شاء الله "




وتزوجنا ...




كم كنت خائفا من زواجي منها !! ليس طعنا في طيبتها ، فهذه
الحمامة البيضاء لا تتناسل إلا بياضا ، ولكن خوفا من أن يصبح الزواج مقبرة
منسية لحب كان متوهجا ... فكل قصص العشق الأسطورية انتهت إلى فشل ، أو
أراد لها أصحابها ذلك حتى يحموا وهج حبهم من الموت اندثارا ... كل العاشقين
الأولين كانوا قادرين أن يتزوجوا ممن أحبوا طوعا أو كرها، ولكنهم لم يفعلوا
رغبة في جعل حبهم أطول عمرا ، وظلت لوعتهم وأشواقهم تقتات على حسرة الناس
لفراقهم ... لو تحقق زواجهم لمات حبهم في عصرهم ...




تزوجت من سلمى ...




وبعد ثلاث عشرة سنة اكتشفت شطر المعادلة الخاطئة ، فالزواج
ليس مقبرة مهملة للحب ... سلمى كانت تتجدد بابتسامتها ... بطيبتها الفاضحة
، بقدرتها العجيبة على نفخ الروح في تفاصيل صغيرة – تبدو للناس عادية –
لتجعل منها سببا لفرح غير مرتقب .




كنت أعود من العمل مرهقا لوقوفي الطويل في انتظار زبونة
تأتي ، تتفحص كل الفساتين ، وتسألني عن ثمنها وعن مساعدتها ، وتخرج من
المحل وهي تهديني ابتسامة اعتذار لأن المبلغ الموجود في حقيبتها لا يكفي
... أعود إلى البيت والإحباط يلبسني ، فأجد سلمى تنزع عني رداء الخيبة
وتدثرني باستقبال دافئ ... كانت تحبس خطواتها في الصالون أو في المطبخ ،
وتهمس للأولاد : " دعوا أباكم يستريح " وعندما أستفيق من إرهاقي أقول لها
كطفل يحنو – دائما إلى صدر أمه : " ما أجمل أن يكون أن يكون للإنسان مكان
يستريح فيه من جبروت الشارع والأرصفة الباردة ، ولو كان بحجم قلب ..وما
أوسعه !!"




لم أكن سي " السيد "، فتخاف صراخ غضبي ...بل كنت سي "
الحنون " والحنان أيضا له سطوة ومقاليد حكم ...




هذا المساء ... فتحت الباب فوقعت في فراغ رهيب عند العتبة
... ابتسامتها كانت غائبة ... ماذا حدث ؟ !! اتجهت نحو الصالون لأجدها
والأطفال مشدودين إلى صور دمار شامل تبثها التلفزة . ..قالت لي بحزن كبير :




- زلزال عنيف ضرب العاصمة منذ دقائق وخلف مئات القتلى
وآلاف الجرحى .




اتخذت لي مكانا إلى جانبها وقد ذهب عني التعب ، ليس بفرح
هذه المرة ، ولا بابتسامة ، وإنما بحزن ... فالأحزان كما النار ، عندما لا
تجد ما تأكل ، تأكل نفسها ...




" يجب أن نساعد إخواننا في العاصمة " قالتها بصيغة الأمر
التي لم أعهدها في كلامها ، ولكن بطيبة وأمومة طاغية :




قلت كمن يكشف سرا :




- ولكننا لا نملك ما نتبرع به !!




ردت بسرعة وكأن الإجابة كانت جاهزة :




- لنا هذا الدم الذي يجري في عروقنا ... نتبرع بدمنا
للجرحى ...




صباحا ... وبمجرد أن تنفس الصبح وتثاءبت الشمس وهي تتأهب
لمشوار جديد ، وتعلن عن يوم يحمل في جوفه مفاتيح قلوب سكنها الصدأ ، وتعلق
العجز بأسوارها العتيقة ... ارتديت ملابسي – على عجل – ولم أهتم بشيء آخر ،
بل لم ألتفت إلى فطور الصباح الذي لم أكن أستغني عنه .






كنت أقطع الشارع الرئيسي باتجاه المستشفى الجامعي وصوت
المذيع يلاحقني " الهلال الأحمر يدعو كافة المواطنين للتبرع لفائدة إخوانهم
المنكوبين "




كان الفقر يتربع على صدر العائلة ويشمخ برأسه ، ولا أملك
ما أجود به غير دمي ... قطرة من دمي قد تمنح التألق لوجه طفل يشرف على
الهلاك ... قطرة من دمي قد تعيد ترتيب الحياة عند مدخل شريان شيخ نزف طويلا
... بعض دمي قد يجمع ابتسامة تناثرت على وجه أم وهي تحضن طفلها خوفا عليه
من انهيار جدار ...دمي ... ولا شيء غيره ، أتصرف فيه كيفما أشاء دون أن أحس
أني أذنبت في حق عائلتي ، أو اغتصبت اللقمة من أفواههم ...




لا أنكر أن الخوف كان يسبقني إلى مدخل المستشفى ، فلأول
مرة سأرى دمي يفرغ في حقنة أو قارورة أو كيس أو ....آه ...لست أدري ما
اسم هذا الوعاء الذي سيجمع فيه ... كنت أتساءل بيني وبين نفسي : هل
سيكون حارا بفعل الغضب الذي يأكلني دون أ ن ينتبه إليه أحد ، أم أن الخيبة
التي تعلو وجهي تجعله باردا ... ؟ هل سيتدفق بسرعة هروبا مني ، أم سيتكاسل
في الخروج من عروقي تمسكا بي ... ؟ ومع ذلك كنت سعيدا ... سعيدا بحجم فرح
طفل ساذج يمتلك – لأول مرة – حفنة من الحلوى ، ويريد أن يوزعها على أصدقائه
في المدرسة ليتباهى بقوته وكرمه .




كان عدد المتبرعين قليلا " لا شك أن أكثرهم وجد ما يتبرع
به غير دمه " ... المرارة كانت تأكل قلبي وأنا اكتشف أني لا أملك غير دمي
يزاحم بعضه بعضا ... ماذا لو كان هذا الدم الذي أتباهى به يحمل مرضا يعيقني
ويقتل نشوة الكرم في حلقي ... ؟ لا شك أن كل العصافير التي ابتهجت في ربيع
عمري ستسقط مذبوحة على جدار نكستي .




انزلقت إلى داخل المستشفى وأنا أتأرجح بين السعادة
والمرارة ... استقبلتني الممرضة بابتسامة عريضة " هذي أولى بشائر الكرم "
. طلبت مني – بأدب – أن أتمدد على الكرسي المقابل لها ، ففعلت ... مددت
لها يدي اليمنى بنشوة من يتقدم بوردة إلى حبيب عاد إليه بعد أن غادر تربته
حقبة من الزمن ... أدرت رأسي إلى اليسار ، لأن النظر إلى الأدوات الطبية –
ولو كانت بسيطة – يجعلني أحس بالارتباك ... كنت أسمع طقطقات أوراق وأدوات
صلبة تؤخذ وتوضع ، بعدها أحسست بأصابع الممرضة تضغط على يدي ، وبشيء يشبه
وخز الإبرة يخترق أحد عروقي ... إنها الفتحة التي ستجعل دمي يتدفق غزيرا
...لكن صرخة الممرضة أطفأت وهج الفرحة المباركة وجعلتني ألتفت مستفسرا :




- ماذا حدث ؟ لماذا تصرخين ؟




ورأيت منها جسدا تزايل هيكله في مجلسه ، وتهاوت ملامح
وجهها الذي كان مشرقا ... أعدت السؤال مرة أخرى والخوف يعصف بهدوئي من أن
تكون اكتشفت مرضا خبيثا :




- ما الأمر ؟!!




أجابتني بصوت متقطع ، مدمر يشبه بركانا داهما :




- انهض ... ليس في عروقك دم !!!




نهضت مسرعا وأنا أهرع نحو الشارع ... لا حذاء انتعله ولا
هدوء يلبسني ... بل اضطراب وفزع ... كنت أتوقع أن أسقط ميتا عند قدمي أي
رجل أو امرأة أو صبي ، أو أي دابة تسعى على الأرض ... بل قد أهوي عند رابعة
أي متسول يفترش الرصيف. لكني وصلت إلى البيت ولا شيء من هذا حدث ... رميت
بعوالمي الصغيرة والكبيرة ودفعت الباب لألج إلى فتحة في داخلي ... وقفت
أمام المرآة أتأمل تفاصيل وجه يستقبل الناس ويحبهم بغير دم ، وتساءلت
بفجيعة : إلى أي منفى غادرني دمي ؟ !!




بعد دوامة مفرغة ، أدركت أن كل النكسات والنكبات التي
مزقت جسد هذه الأمة ، والتي كنت أتفرج عليها عبر الفضائيات العربية إنما
كانت تقتات من دمي حتى لم يبق منه ما يُهدر أو يُستنزف ، أو يكون صالحا
للتبرع ...تفطنت إلى أن شراييني ظلت حافية ، بل عارية على امتداد عمري
الهارب من نكسة إلى أخرى ، ومن انكسار إلى آخر ...








من قصص **زكية علال** Glitterمن قصص **زكية علال** Glitterمن قصص **زكية علال** Glitterمن قصص **زكية علال** Clip_image








هروب السجينة رقم -1-








"…ليكن في علم المسافرين الكرام أن الطائرة ستقلع بعد لحظات ،
فالرجاء شد أحزمتكم …"




رغم جمال الصوت النسائي المنبعث عبر مكبر الصوت إلا أنه لم يثر
انتباهي، كنت فقـط مشدودة إلى ساعة يدي أنتظر في قلق لحظة الإقلاع، لن أصدق
–أبدا- أن الطائـرة ستحلـق فـي الجـو ، و أنني سأتخلص من ظل صورتك الذي
يطاردني في كل مكان –لن أصدق أنني سأتحرر من جنون حبك، ومن وجع هذا
الإرتباط الذي ضيعني ..




الدقائق تمر كسنين عجاف، تزحف من ثانية إلى أخرى كشيخ هرم يجر مع
رجليه ثقل عمره المتعب .. مرت دقيقتان والطائرة تربض في مكانها كتمثال كبير
يقف فوق مساحة تطل علـى زمن آخر .. الزمن .. هذا العملاق الذي كان يسابق
الريح ليختصر أحلامي .. شبابي، وسنوات عمري ، لست أدري لماذا يسير اليوم
بطيئا كأنه يعاندني، ويمدد مساحة حزني، كنت غارقة أبحر في قلقي ، عندما
سمعت صوت محرك الطائرة، وأحسست أنها تحركت من مكانها … وأخيرا تحـرك هذا
العملاق المارد .. أخيرا …




وانفرطــت من عيني دمعتان كبيرتان لم أستطع حبسهما، قد تكون دموع
الفرح … لا … إنها حارة و موجعة ، ربما تكون دموع الفراق كما يقولون، لكن
لم أبكيك والرحيل كان اختياري ؟ لا ..أنا ما اخترت الرحيل، بل أنت الذي
أجبرتني عليه، وجعلتني أوقع معك وثيقتي الأخيرة .




"كنت حبك الوحيد" جاءني صوتك باهتا من خلف زجاج نوافذ الطائرة .




أعترف أني أحببتك كثيرا " أعترف –أيضا- أنك كنت تسري في دمي .. في
عروقي ، وتلتصق بجدار قلبي كجلد عظمي، ولم أصدق يوما أننا سننتهي إلى هذه
النهاية الموجعة، وأنني سأحلق في الجو لأراك تصغر أمامي شيئا فشيئا، ثم
تتحول إلى نقطة سرعان ما تتلاشى … كنـت وطني … وجعي ، وكنت منفاي، آه …منك
يا وطنا وهبته العمر فأهداني حزمة من خراب ، يا وطنا ضيعني مرتين .. أوجعني
مرتين : مرة في أولى محطات العمر ، ومرة في آخر محطات العمر .




الضياع الأولى :




كنت حينها –طفلة صغيرة جدا .. بريئة جدا، وطيبة جدا، كنت أجلس
كالحمل الوديع تحت جناحك، وتذوب حواسي الخمسة ، وحتى حاستي السادسة في حبك
الجارف : العين تشخص في بهاء صورتك تتعلق بقامتك الطويلة جدا ، الأذن تسافر
مع نغمات صوتك الرائع، أنفي لا يشم غير رائحة عرقك "أقول دوما أنها تشبه
رائحة التراب، ولهذا أجدها "زكية"، لساني لا يتذوق غير سحر كلماتك ، حبك
يسري عبر كل مسامات جلدي، حتى إحساسي بما هو آت يتراجع ، ينحسر ، ليذوب في
حاضرك الآسر، الفاتن …




كنت أجلس إليك، أصدق كل الحكايا والأحاجي: صدقت أن ابن السلطان قطع
سبعة جبال وعـرة ليصل إلى لونجة ويتزوجها رغم أن أمها كانت غولة تأكل لحم
البشر، وتشرب من دمهم، صدقـت أن الأميرة الحسناء ظلت نائمة مائة عام على
سريرها الفاخر ، تجمدت حينها أحلامهـا .. جمالهـا ،




وبريق الشباب في عينيها الجميلتين ، ويمر أمير وسيم ليطبع على
جبينها قبلة بريئة، فتستيقظ الأميرة، وكل من معها في القصر ويتزوج منها
الأمير ، فيعيشان في ثبات ونبات ويخلفانً صبيان وبنات ً…




كم كنت ساذجة ، وغبية من الدرجة الأولى ! لم أسألك يوما كيف لبشر أن
يتزوج من ذرية الغـول : و ما الغول؟ هل هو من الجن أم من الإنسان ، أم هو
خلق آخر؟ لم أسألك ، كيـف لقبلـة بريئة أن تعيد ميتا إلى الحياة وقد قبلت
كل الذين أحبهم، لكنهم ظلوا جثثا هامدة .




وضاعت طفولتي بين سلطان عاشق ولهان وأميرة حسناء بلهاء، ضاعت براءتي
بين الأحاجي الفارغة لأكتشف بعد عمر أني طفلة غير سوية، طفلة لا تعشق لون
الفرح ولا لون الفراشات ، ولا تسعد حتى بملابس العيد كما كل الأطفال …




الضياع الثاني :




كنت ساعتها –إمرأة بصفحات بيضاء، تبحث عن ألوان الأمل لترسم خريطة
حياتها، كنت معلقة إلى الأفق لعله يأتي فارس على جواد أبيض، فيكتب على
صفحاتي البيضاء قصة وفاء أبدي، لكنك جئت تسابق الريح لتحجب عني الأفق
والحلم، وتسافر بي في متاهات العاشقين الأولين : فهذا قيس يبكـي في حرقة
فراق ليلاه، وذاك قيس آخر يبكي على قبر لبناه ليترك عقله بين أحجار قبرها
ويهيم في البراري مجنونا بلا عقل .. ضيعتني بين صفحات الذين باعوا قلوبهم
للموت حينا وللجنون حينا آخر …




وتتجلى الحقيقة ذات فجر ملتهب ، متفحم، لأكتشف أن قلب قيس ضاع بين
فتنة الكراسي ولعبة السياسة، وأن جميل بثينة باع حبه على طاولات السجائر
و"الكاوكاو" اكتشفت أن الحب عبث، جبن ونكتة يتسلى بها الرجال في المقاهي
والحافلات .




اليوم … وبعد أن زحف الشيب إلى رأسي، وشاخ الحلم في صدري ، أجلس
وحيدة إلا من وجعي، أشعر بالبرد يقتل آخر ما تبقى من حلمي الوردي، لهذا
قررت أن أهرب بما تبقى في صدري ، ولن أعود إليك ، سأسافر إلى آخر محطات
الدنيا لكن لن أعود إليك .. لن أعود .. لن ..




آخر الضياع :




انتبهت من ضياعي لأجد الركاب في هرج ومرج، استفسرت عن الأمر فقيل لي
أن الطائرة تعانـي من عطب يرغمها على الرجوع إلى المطار الأول .. المطار
الأول ؟




تهاوت أحلام الهروب على مقعد الطائرة، وأخرست الخيبة لساني، وعدنا
إلى المطار الأول .. إلى الصفر لأجدك تنتظرني كما تركتك لحظة الوداع، فتحت
ذراعيك واستقبلتني بابتسامة انتصار .. أسرعت إليك، دفنت رأسي المتعب في
صدرك وأنا أردد في استسلام "إنك وطني" قدري وقبـري الذي لا مهرب إلا إليه .



من قصص **زكية علال** Glitterمن قصص **زكية علال** Glitterمن قصص **زكية علال** Glitterمن قصص **زكية علال** Clip_image









تفاصيل وجع على
الأنترنات








العالم يتكور في ذيل القرن، حتى يغدو كرة ثلجية زائفة، اقتحمها
السواد عنوة بحجة ان




الأسود لون أساسي في رسم أحلام البشر ثم تتدحرج الكرة الثلجية
السوداء، وتذوب عند قدمي بفعل حرارة النكسة التي سكنتني ، فأجد نفسي أسبح
في فضاء مفرغ : لا أرضا تقف فوقها قدماي، لا سماء تحتمي بها أحلامي
الوردية، و لا بشرا يسبحون في الشارع بل، لا أثر للشـوارع، ولا البيــوت
ولا…أحسست أن العالم أفرغ نفسه في عمق محيط لا قرار له، وإني أتمايل كبلونة
لا تعرف أين تستقر .. فراغ.. فراغ.. فراغ .




سحبتني المرارة إلى بيتي حمامة ضيعت بياضها وسلامها عند بوابة
الفتنة الكبرى ، فأفاقت على ألوان شتى تتعاقب على خارطة روحها .




أجيء ،طفلة محملة بخطايا الكبار ، ومرهقة بحماقتهم التي أغرقتها في
متاهات لعبة ممتدة، كي تظل طفلة ساذجة لا تفقه شيئا.




أجيء … خوف من ورائي، وبرد قاتل يسبقني إلى غرفتي ليحملني إلى فراشي
.. أخـرج يدي من جيب عمر غابر ، أدفع الباب بضعف الهزيمة التي سكنتني
فأجدها تفتح على تضاريـس مدينة مجهولة.




ألج إلى الداخل يتقدمني جيش من الرياح العاصفة العقيمة، وتحرصنـي
مـن ورائـي فرقة من الخوف الذي احتواني منذ استيقظت الشوارع على طوفان من
الدم .. والدموع .. والجثث المشوهة، ودخان أحلام أحرقتها الحماقة.





حاولت أن أنير ظلمة الغرفة لكن عبثا فالتيار إنقطع كما كل المرات ،
أفزعني الظـلام المبعثر في كل الزوايا كالأشباح " كم يرعبني الظلام … إنه
رهيب … يخطف منك الأمن والأمان، ويجعلك تتوقع طعنة من هنا وطعنة من هناك …
يكفي أن نصف العمر يضيع في سراديب ليل مجهول" .




هكذا كنت أهمس بخوفي لكل الذين أحبهم، لكن الحقيقة أبشع بكثير مما
أصوره لأحبائي ، فالظلام يلازمني كظلي الرمادي ليزرع الخراب في كل فضاءاتي
.




وأنا طفلة صغيرة ، كنت لا أنام على قبس من نور ، حتى ضوء القمر الذي
كان ينكسر على نافذة غـرفتي، لم يكن يقنعني ، كنت أحب أن أغمض عيني على ضوء
ساطع حتى أضمن هروب الأشباح. هكذا أخبرتني أمي وهي تحدثني عن طفولتي
المتأخرة .




سحبت رجلي نحو كل الأدراج التي هداني إليها عقلي وحدسي ، فتحتها
لأبحث عن علبة كبريت تنفعني في هذا اليوم العسير ، لكن –عبثا-و فالظلام
يحجب عني كل شيء .




لست أدري لماذا تملكني الإعتقاد أن الغرفة مليئة بالجثث المشوهة ،
والرؤوس المفصولة والأطراف المقطوعة مع أن بصري لا يفقه شيئا مما حوله .




تخيلت أن بعضا منها يتمدد على سريري وبعضا يختبئ في خزانة ملابسي
والبعض الآخر على أرضية الغرفة ليزرع الرعب والخراب فيها، اصطدمت بشيء صلب،
فسيطر علي رعب قاتل ، وتسلل إلى عروقي ودمي خوف رهيب، ذهب بكل شجاعتي وخيل
إلي أني اصطدمت بجثة وأنها تتعلق بقدمي طلبا للنجاة، تخيلتها امرأة مفصولة
الرأس تتسلق إلى صدري بل رجلا ممزقا يتعلق بثوبي، لا، بل طفلا متفحما يزحف
نحو قلبي ليعود إليه بياضه، لكنني ابتسمت من خوفي المفرط ، وأنا أتحسسه،
لأكتشف أني تعثرت في سريري الحديدي الذي يأويني كل ليلة .




وطال عمر الظلم -عفوا- أقصد الظلام فتمدد الخراب في داخلي أكثر وكاد
يجعل من جسدي المتعب جثة تضاف إلى مجموع الجثث المتناثرة في الغرفة … ومن
وسط العتمة الداكنة تسللت إلي صورته، تذكرته، تذكرت سيجارته .. دخانه
المتكبر.. لقد كان هنا بالأمس ولا شك أنه نسي علبة الكبريت كما تعود، فهو
كلما مر بمكان ، نسي –أو تعمد-أن يترك شيئا من لوازمه يدل عليـه، أسرعت إلى
مكانه أدفع الظلام بذراعين تائهتين… تحسست ظله الرمادي بكفي الأيمن ،
وخياله الذي يلتصق بي-بكفي الأيسر- آه العلبة هنا ! "كم أنت رائع أيها
الرجل، بل كم أنت غريب الأطوار تمنحني الخراب حين تقترب مني وتترك لي نورا
عندما تغادرني ! "




ولم أكد أفتح علبة الكبريت، وأخرج منها عود ثقاب حتى عم الغرفة نور
تعبت عيناي أن تتحمله .. عجيب .. لأول مرة يعود النور بهذه السرعة، فالضوء
.. كما الضياء.. كما كل الأشياء المضيئة في بلدي ، ينطفئ بسرعة ، لكن رجوعه
يحتاج إلى سنين، نخسر خلالها رجالا وعيون أطفال وظفائر نساء، وقبل أن يصل
المختصون التيار المنقطع يكون كثير من العباد فقدوا رؤوسهم .. أيديهم..
أرجلهم .. أحشاءهم، أو جميعهم في آن واحد، وفي أحسن الأحوال تسلب منهم
أحلامهم .




فعندما يكون الملك بأمر الظلام، تتوقع أن تخسر أي شيء وتكون محظوظا
إذا خسرت حياتك فقط.




تمددت على سريري الحديدي، وقد تخلصت من عقدة الخوف، بعد أن أوصل
المختصون التيار المنقطع، لم يبق أمامي غير هذا البرد الذي يكاد يعصف بي ،
ووجدت نفسي أسخط على كل العلماء والأطباء " سحقا لهؤلاء العلماء الذين
يبحثون للإنسان عن سكن غير الأرض بينما الخوف يحصد أكثر مما تحصد الحروب،
وعجزوا إلى حد الساعة عن اختراع أقراص تخلصنا مـن البـرد و أخرى تقتلع
الخوف من أعماقنا، وأخرى تجتث من قلوبنا حبا لا نرغب فيه وأخرى ضد الكره …
. و … آه … لو تحقق ذلك لكنت خلقا آخر و تخلصت من الخوف والجبن و من حب
جارف سكنني وأقام في شراييني وممرات قلبي، ويرفض أن يغادرني رغم تقدم
العمر.




آه … ماذا لو سطع نجم عالم أفلح في أن يجلس العالم على كرسي
الطمأنينة والأمان، كما أفلح علماء كثيرون في تخريب خلايا الأمل في عيون
الأطفال، وزرع قنابل الرعب بين ظفائر النساء، وسحب وسادة الأمان من تحت
رؤوس الرجال… علماء نجحوا في زرع شوكة جافة في حلق العالم، وجعلته يتخبط
كمن به مس من الشيطان …




اللحظة جسدي كله يرتعش… أسناني تصطدم ببعضها البعض لتحدث صوتا يمزق
صمت الغرفة، حاولت أن أتزمل .. أن أتدثر بكل الحكايا الدافئة التي عبرت
حياتي … حاولت أن أستشعر الدفء من حكاية الطائر الجميل الذي قذف به البرد
إلى حديقة القلب مفجوعا، فاحتويته بكل الأمومة التي تنبت في دمي ، لأنتبه
ذات وجع، فأجده صريعا فوق أسلاك الروح وبين منقرية وردة حمراء متفتحة ، كان
ينوي تهريبها من مملكتي .




حاولت أن أتدثر بحكاية الرجل الأسطورة الذي ظل سنوات –ينحت في أروقة
الروح قصة وفاء في زمن تزهر فيه الخيانة ، وتفرخ وتتناسل، كإمرأة تحبل من
طيف أو من بريق حلم. وتصنع الفجيعة علبة كبريت –يخرجها من جيبه ليشعل
سيجارة يتحسس بها دفء الحلم، لكنها ترتعش بين أنامله، لتنزلق في لحظة سهو …
تقع، لتضرم نارا تأتي على كل تمثال الوفاء القائم في مملكتي …





حاولت أن أتزمل بكل إرتعاشة صدق –لكن عبثا- فصوت العاصفة يزمجر من
الداخل …من العمق، ليتوزع في أحلام العمر ويقتلعها، لتركن إلى يتم لا دفء
بعده .




تكورت في فراشي محتضنة وجعي ، وتيقنت أنه لم يبق أمام خيبتي غير هذا
الصحن المقعـر الذي يسمونه "برابول" عله يمنحني بعض الدفء والأمان وينتشلني
من خراب يتربص بي .




أخذت جهاز التحكم عن بعد وأقمته بين جدران راحتي ، لتبدأ أناملي
تلعب بأزراره : ضغطت علـى الـزر الأول فجاءت الصورة بشعة متفحمة تحمل كثيرا
من الجثث منزوعة الأطراف، مفرومة اللحم، غائبة الملامح ، كأن لم يكن لها
حواس تحسست بها زيف العدالة المبتورة …




غيرت بسرعة نحو قناة أخرى، فامتثل أمامي صحافي وسيم، يجتهد في رسم
ابتسامة باهتة على سطح شفتيه، ظهر وهو يحصي عدد القتلى في مذبحة الأمس…
عبرت إلى قناة ثالثة فرأيت خلقا كثيرا من كوسوفو وهم يرمون كنفايات سامة
إلى مكان لا رجعة منه . هربت بصدمتي إلى قناة رابعة، فكانت صورة رضيع تملأ
الشاشة وقد أقام عليها الرصاص خريطة بمساحة الخيبة التي تربض في عيون
الأطفال… ولعبت أناملي بكل الأرقام اليتيمة والمركبة ، لكن لا شيء غير الدم
يرسم لوحة تشكيلية لفجيعة منتظرة …




واستيقظ السخط في نفسي جبارا :" اللعنة على هذا الجهاز ! !... عندما
اشتريته اعتقدت أنني ربحت فرحا ، اليوم ، تأكدت أني لم أبتع إلا خرابا ،
وضعته في غرفتي ، لأتفرج عليه كل ليلة "




وهنا تذكرت مقولة الرجل الذي غادرني بالأمس، وترك لي علبة الكبريت
:" هناك وجع يقتحمنا عنوة، ووجع نسعى إليه ونطلبه "




وأطبقت أهدابي على هزيمتي اللآمنتهية، لأستيقظ على وجعي وقد اتخذ له
مكانا على شبكة الأنترنات ، وأصبح بإمكان العالم أن يتفرج على توجعاتي
وتأوهاتي متى شاء .




لست أدري من حجز لتفاصيل حزني وخرابي على شبكة الأنترتات ، كل ما
أدريه أن وجعي لم يعد سرا يسكن صدري، بل أصبح ملكا مشاعا .



من قصص **زكية علال** Glitterمن قصص **زكية علال** Glitterمن قصص **زكية علال** Glitterمن قصص **زكية علال** Clip_image









من وحي العاصفة








يغرقني الطوفان والدم ، ولون السماء الذي فقد زرقته، وعبث به حمق
البشر، ليأخذ لون الرماد العقيم… ينكسر صمتي على مرايا الموت الشاحب ،
تتخرب خلايا السكينة في داخلي ، ويستيقظ الخوف جبارا في دمي ، لأجد نفسي ،
في زمن العري والعار –عارية إلا من فجيعتي التي تلبسني، أجوب الشوارع
المتمردة والأزقة الخائفة، مكشوفة الرأس ، حافية القدمين ، حتى ظفائري التي
كانت تركض خلفي كلما رقصت فرحا، تمردت هي الأخرى ، وشدها الحزن إلى ظهري
لتلتصق به في هدوء قاتل …




قذفتني الفجيعة على أول شارع، فخرجت امرأة يتقاذفها الدم والدمع،
فالدم يرسم خارطة غامضة الحدود على جسدي ،والدمع ينحت تمثالا للضياع على
وجهي الغائر في عمق الفجيعة .. كنت أسأل المارة بلهفة وحرقة :




-يا أهل المدينة .. لقد ضاع ولدي .. ولدي كان هنا على صدري ، يمرح
في شرايين دمي .. ينام على عرش قلبي ويفصل أحلامه من بقايا ملاءتي السوداء
البالية، لكنه ضاع .. ولد علمته كيف يخبئ وطنه في صدره عندما يخيم عليه
الغروب أو الضباب. وعندما يأتيه الغثيان أو تداهمه شلالات الدم فضاع ولدي
وفي صدره وطن .. يا أهل المدينة . من رأى منكم ولدا تائها يحمل في يده خبزا
ووردة؟ ! !




وأقترب من باب المدينة أكثر، أتصفح قائمة التائهين . فقد تضاف أسماء
أخرى قذفها الظلم في ظلمة المصير المجهول .. أقترب من القائمة أكثر فأكثر
حتى كاد أنفي يلمسها، أمسح عيني الغائرتين بيدي المرتجفتين لأتأكد أني لم
أخطئ في قراءة الإسم .. نعم .. إنه زوجي مصطفى في قائمة التائهين هذا
المساء .. زوجي .. ضاع أيضا ..




وأصرخ بكل الوجع الذي يلبسني :




ثكلى ، وأرملة أنا .. يا وجعي .




وأهيم على وجهي في كل الأزقة ، أتسول نورا .. شمسا .. أملا ، ويردد
الصدى صوتي و فجيعتي:




-يا أهل المدينة، من رأى منكم ولدا تائها، يحمل في يده خبزا ووردة
؟! !




استوقفني أحد المارة وقد رق لحالي وسألني :




-كيف هو ولدك ؟ ما لونه ؟




قلت له :




-إنه طفل يركض كالبرق خلف سراب اسمه المستقبل. طفل بلون القمح، ولد
مع أول شتاء قاتل، وقذفت به مع أبشع عاصفة تقتلع المدينة، فتملكه الخوف،
وبات جسمه يرتعش خوفا وبردا .. ولدي كان عائدا إلى البيت ، يتدحرج مع ما
تبقى من أحلامه وبراءته ، لكن ابتسامته ضاعت منه .. رجع ليبحث عنها، فلم
يعد ..




نظر إلي الرجل بإشفاق كأنه يخفي عني سرا، وراح يجري بعيدا عني،
وكلماته تنزلق من لسانه باهتة حائرة :




-لا أعرفه .. لم أره .




وأعود مرغمة إلى تسولي :




-يا أهل المدينة ، من رأى منكم زوجي ؟! !




سألوني :




-كيف هو ؟!




قلت وصوتي يرسم تفاصيل قصة مبتورة :




-خرج هذا الصباح، وهو يحمل ثقل الأيام، وعلى وجهه كآبة المحن، ومع
ذلك فهو زوج موسوم بالأمل .. في كل ليلة كنت أجمع أهدابي المتناثرة على
وجه الحياة الرتيبة، وأغمض عيني في هدوء تام لأنام على حكاياه التي يختمها
-دوما- بعبارة صرت أحفظها :"الصبر مفتاح الفرج .." –يا أهل المدينة .. أمي
.. من رآها منكم –لا تسألوني عنها- إنكم تعرفونها جيدا، لا تجامل ، ولا
تكابر ،ولا تتوقف عند محطة.




لم يجبني أحد ..لماذا كلما نظر أحدهم إلى وجهي ولى هاربا ؟! ! همس
إلي رجل وانصرف مسرعا:




-إنك مخيفة وهذي الدماء تلون جسدك ! !




كم هو كثيف هذا الضباب الذي يغشى المدينة .. يا الله .. ما الذي
يحدث ؟! جمع "من البشر يهرولون .. يتساقطون، يتهاوون كذباب عضه البرد
بنابه، فأصبح لا يلوي شيئا .. ماذا حدث ؟




أمسكت رجلا من قميصه ، وسألته برجاء :




-أرجوك سيدي .. ما الذي يحدث بين أسوار المدينة؟ لماذا هذا النواح
الآتي من كل الشوارع، والذي يطل بعنقه من كل النوافذ والشرفات ، هل هو زمن
الإستبداد ؟!




صفعني الرجل بقوة وزمجر غاضبا :




-اسكتي، لقد نطقت تمردا .




نهضت أتكئ على ما تبقى من قوتي وصبري، وسألت أول من إلتقته عيناي
وأنا أرفع وجهي عن الأرض :




-سيدي- ما هذا الصراخ الذي يتمدد صداه في كل القلوب ، هل هو زمن
الردة ؟! لم أكد أنتهي عند آخر حرف حتى أهداني الرجل صفعة طرحتني أرضا وقال
:




-اسكتي ، لقد نطقت كفرا .




و أنهض .. أجمع قوتي التي انفرطت مني وتدحرجت ، لتسوقني إلى جثث
تتزاحم على الرصيف، اقتربت منها .. تفحصتها : هذا وجه زوجي . وقد تمدد
الفرج على ملامحه الساكنة مهزوما .. مقهورا .. هذه جثة ولدي التائه متوسدا
"خبزا" ووردة، وقد ماتت الإبتسامة عند منعرج شفتيه، لتترك مكانا واسعا
للشحوب والموت البارد.. وتلك ظفائر أمي تتمدد في شموخ على جسدها الساكن ..
آه.. يا وجعي ، كلهم سقطوا .. ضاعوا.. ابتلعهم الفناء ..




-يا أهل المدينة .. من لطخ يده بدمائهم ؟




-يا أهل المدينة .. من أباح دمهم ؟




وتنطلق كل الأصوات، وتتحرك من خلفها كل الكراسي الوثيرة، وتتمايل
الرؤوس الكبيرة ، وتصرخ الجباه العالية لتعلن أنها بريئة .. بريئة .




وفي انتظار المحاكمة الكبرى، أقمت خيمة احتوت جثث كل عزيز ضاع مني ،
ولم تفلح كل السلطات الرسمية وغير الرسمية أن تبعدني عن هذه الأجساد
الباردة ، وأن تبني لي سكنا آخر بمنآى عنهم ، فهنا سكني.. هنا وجعي ، هنا
حرقتي التي تنبت على وجهي شوكا .. دما ..




هنا سأظل أصرخ في وجوه هذه الجثث : من أباح دمكم ؟! من أباح دمكم ؟!




وعبثا حاولوا إقناعي أن الأموات لا ينطقون .. بل لا يسمعون .



من قصص **زكية علال** Glitterمن قصص **زكية علال** Glitterمن قصص **زكية علال** Glitterمن قصص **زكية علال** Clip_image








حيزية
الأسطورة








حيزية تعود هذا الموسم..تنفض عنها غبار الأسطورة، تطل من خلف ستار
الزمان بوجهها الأسمر وعينيها الواسعتين،وهدوئها الساحر..حيزية الآن- تفك
ظفائرها، تشق صدرهـا ، وتأتـي بقلبهـا على راحة كفها، لتعرض وجعه القاتل
على كل الناس.




حيزية..أراها- الآن تعبر ممرات كل السنين وتطل على الكون بعينين
دامعتيـن وقلـب ينزف بغزارة الجرح الذي يسكنه..حيزية عادت تحمل نعشها فوق
كفيها،وتستر مفاتنها بكفنهـا، لأنهـا ستعود عن قريب إلى قبرها.




استيقظت حيزية ذات صباح فوجدت عشرات الفرسان على باب خيمتها، وقد
ترك لها كل واحد منهم مكانا على فرسه ليأخذها معه إلى جنته الموعودة، ويطير
بها بعيدا عن أعين الناس..لؤلؤة هي حيزية..نعم يقولون أنها ياقوتة نادرة.




تقدم الفارس الأول والشمس بين يديه … كان يريد أن يقدم لونها الذهبي
مهرا لها، لكن حيزية أعرضت عنه .




انزلق إليها الفارس الثاني وهو يقبض على حبات النجوم المتلألئة في
السماء،وقدمها قربانا لوجه امرأة لا تشبه كل النساء،لكنها أشاحت عنه
بوجهها.




انبلج الفارس الثالث يجر وراءه ألفا من الإبل ، وألف رأس من الغنم
ثم فتح أمامها خزائن من التبر لتكون هدية لها يوم الزفاف، لكنها-أبدا- لم
تنظر إليه.




وتقدم فارس آخر..آخر..و..




حيزية، كانت تقف عند باب الخيمة، تعبر على نظرات وهدايا كل الفرسان،
لتصل إليه..إنه هناك يجلس بعيدا عن الخيمة لا يملك إلا قلبه بين جنبيه، كان
الوحيد الذي أهداها قلبه على راحة كفه، وقال لها من وراء ألف ستار:" حيزية..أنا
لا أملك مالا..ولا ذهبا، ولا سلطانا- فقط- أملـك قلبي،أقدمه هدية لك".




حيزية ابتسمت له، وأجابته بصمت: نظراتك تعبر كل مسامات جلدي وتتسلل
إلى قلبي بهدوء،و بقوة أيضا..حبك ولد عملاقا في أعماقي، ولن أكون إلا لك."




فزعت القبيلة لهذا الحب الصامت وإجتمعت لتقرر مصير حيزية المتمردة
ثم أصدرت قرارها"حيزية لا بد أن تقتل لأنها خالفت أعراف القبيلة"جسدها
الفاتن سيكون طعاما شهيا لكل وحوش الصحراء"




حيزية ظلت خلف خيمتها صامتة، إنها تقتل صراخهم بصمتها، حتى الدموع
تحجرت في مقلتيها.




وارتفـع صوت العدل عاليا:" يا قوم..حيزية ما أتت عارا...حيزية
اختارت فدعوها وما اختـار قلبها".




وكان العرس، وصوت البارود والليلة الأولى، قالت له وعيناها تلتقي
بعينيه لأول مرة:




-كم أنا سعيدة...سعيدة بعدد حبات النجوم.




-وأنا سعيد بك يا حيزية...سعيد بعدد حبات الرمل في الصحراء.




عندما احتضن يديها لأول مرة كانت ترتجف قا لت له :،




خائفة أنا يـا سعيد..أخـاف أن أفتح عيني ذات صبح، فأكتشف أني كنت
نائمة على حلم زائل.




-أنا وأنت وحبنا حقيقة.هكذا قال لها سعيد.




قالت له في العاشر من زواجهما:




- سعيد..هل تدري متى يسكنني الموت؟








تبسم ضاحكا من سؤالها،ثم ما لبث أن تلبد وجهه وقال :




-أرجوك إني أخاف الموت وتسكنني الرعشة من ذكره لأنه- وحده- الذي
يفرق بيننا.




قالت له:




--ولكنها الحقيقة التي أريدك أن تعرفها.





قال بدهشة:--ايةحقيقة
؟




اقتربت منه أكثر، جلست أمامه حتى تعانقت أنفاسهما ثم قالت:،




لو اكتشفت أن على وجه الأرض رجلا يحمل في قلبه حبا لامرأة. أكبر مما
تحمله لي في قلبك..سأموت.




-حيزية..ماذا حدث لك؟




-استطردت كأنها لم تسمعه: لو رأيت رجلا حرك جبلا من الذهب، وأتى به
هديـة لحبيبتـه لن أحزن، لو سمعت عن رجل جمع كنوز الدنيا –كلها بين يدي
المرأة التي يحبها لن أتألم .. لكن لو وجدت رجلا يحب امرأة اكثر مما تحبني
أنت، سيقتلني الحزن والألم...سأموت يا سعيد.




-حيزيـة إنك تهذين..حبك يجري في عروقي يسري مع دمي..حبك بين لحمي
وعظمـي، ولـن يفتر أبدا.هكذا قال لها سعيد.




في اليوم الأربعين من زواجهما،عاد سعيد إلى الخيمة، فوجد حيزية
مستلقية على الفراش تمسك برأسها ، وتصرخ من شدة الألم . أسرع إليها وقال
مفزوعا:حيزية..قرة العين ماذا أصابك؟




وجاءت كلماتها فاترة: أحس بألم شديد في رأسي.




اقترب منها أكثر، أراد أن يساعدها على الوقوف.. على الحركة ، لكنه
عجز، فقد كانت تضعف شيئا فشيئا، وكان جسدها يثقل أكثر فأكثر. أعادها إلى
فراشها وقلبه يرتجف كطائر مذبوح.




قالت له بضعف:




-سعيد..أحس أني سأفارقك إلى الأبد.




-مستحيل..قالها وهو يشهر سيفه.عانقته بنظراتهـا الذابلـة وقالت:




-في وجه من تشهر سيفك يا سعيد؟ ثم استطردت: الموت جبار ولا أحد
يستطيع أن يبارزه.




وأغمضت حيزية عينيها علــى قصة حب عنيف" عادت من حيث أتت، ولم تكن
في حاجة إلى جنازة أخرى، ومأتم آخر. قبرهـا لا زال مفتوحا، نعشها على
كتفيها وكفنها يستر تقاطيع جسمها الفاتن




سعيـد بقـي هائمـا فـي الصحراء والسؤال ظل ممددا على قبر
الحبيبة:"من قتل حيزية؟ المرض أم سعيد.




الناس يقولون: حيزية ماتت لأن جسدها الضعيف عجز عن حمل حب عنيف.




وقال البعض الآخر: حيزية ماتت لأنها أرادت أن تحنط حبها في قلب
سعيد.




وهمس بعضهم: حيزية ماتت لأنها سمعت ان في أقصى المدينة رجلا أحب
زوجته أكثر مما أحبها سعيد.




فمن قتل حيزية؟ المرض أم سعيد ؟.



من قصص **زكية علال** Glitterمن قصص **زكية علال** Glitterمن قصص **زكية علال** Glitterمن قصص **زكية علال** Clip_image
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
بين الهدب دمعة
عـضو ذهـبي
بين الهدب دمعة


عدد المساهمات : 664
عدد المساهمات : 6522
تاريخ التسجيل : 31/10/2009

من قصص **زكية علال** Empty
مُساهمةموضوع: رد: من قصص **زكية علال**   من قصص **زكية علال** Emptyالأربعاء 7 يوليو 2010 - 12:28

شكرا رحابو قصص رائعة للأديبة المميزة و المحبوبة زكية علال

جزا الله خيرا على النقل المميز
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
رحاب الجنة
.
.
رحاب الجنة


عدد المساهمات : 2365
عدد المساهمات : 10388
تاريخ التسجيل : 09/11/2009
العمر : 28

من قصص **زكية علال** Empty
مُساهمةموضوع: رد: من قصص **زكية علال**   من قصص **زكية علال** Emptyالخميس 8 يوليو 2010 - 11:37

شكرااا لمرورك بين الهدب دمعة نورتي الصفحة بوجودك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
من قصص **زكية علال**
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: المنتدى الأدبي ( برعاية النادي الأدبي احمد الغوالمي ) :: الرواية و القصة-
انتقل الى: