الكل منا يطمع إلى الصفاء فى الأمور كلها .. الصفاء في الإيمان .. الصفاء فى الحياة ..
الصفاء مع الأباء .. مع الأزواج .. مع الأبناء .. مع الأصدقاء ..
فبالصفاء تسعد الحياة ..
وتبتهج الدنيا بنا وبمن حولنا ..
وبالصفاء تستكين النفوس .. وتطمئن القلوب .. ويتسع الصدر .. ويزداد اليقين .. وتغلب النظرة المشرقة إلى الدنيا والتفاؤل ..
وتسهل الأمور .. ويزداد الصبر .. وتزدان صفة البراءة على الوجوه .. فتطبع صفة الشفافية على صفيُّ القلب .. فيحبه الله ويحبه الناس .
وهذه أسمى الدرجات التي يتسامى إليها الإنسان .. ومن منّا لا يرجو ذلك ..؟؟
ولا يكون ذلك إلا اذا
صفى القلب من مكدراته وأوحاله ..
وقد تأملت في حالي مع الناس .. وحال الناس معي ومع غيري فوجدت إن أكبر الموانع لتحصيل هذا الصفاء هو
"
سوء الظن " والانشغال بالناس عن أنفسنا .
وحال الإنسان لا يخلوا من الآثام والقصور ..
ومن أراد الله به خيراً شغلته نفسه وتقصيرها عن قلوب الناس ونياتهم وتقصيرهم لكي يبلغ درجة الصفاء فينال السعادة وينال محبة الله .
فما وجدت أكبر وأشد مما يفسد قلب المؤمن "
الطيّب الحنون
"
إساءة الظن بالناس والشك بهم ..
أو
التجسُّس على حياتهم الخاصَّة وتتبُّع نقائصهم ..
أو التحدث عنهم بما يكرهون ..
إن الانشغال بتفسير التصرفات الشخصية للناس .. وإسقاطها على أسس الريبة وسوء النية ..
وتعديد الاستنتاجات لتأكيد هذا الإسقاط .. له من المفاسد القلبية والاجتماعية والنفسية مالا يعد فى حصره ..
فهو أمر معلوم للجميع يغضب الله .. ويفقد به الإنسان الصفاء .. وينشغل تفكيره بتقصير الآخرين ومحاولة إثبات هذا التقصير أو هذا الخلل ..
مع إننا غير مكلفين بذلك .. وضياع وقتنا بالقيل والقال والاجتماع له لأمر محزن أن يقع فيه الإنسان ..
وخاصة ان يأتي الأمر بدون حقيقة واقعية .. ويلزم نفسه وغيره بأمر ليس هو بلازم لوجهة نظره .
مع أن الأولى أن تحمل ما تراه من فعل أو عمل فيه من السعة ما فيه على المحمل الحسن مادام ذلك ممكناً ..
ولو سألنا أنفسنا وماذا بَعدُ .. ماذا استفدت .. هل تُحب أن يعاملك الناس كذلك؟
لماذا نسعى لقطع حبال المودة بين الناس .. لماذا نؤجج المشاعر على الغير .. لماذا لماذا ..
لِسَانَكَ لا تَذْكُرْ بِهِ عَورَةَ امرئ **
فَكلُّكَ عَـوْرَاتٌ وَلِلنَّـاسِ أَلْسُــنُ
وَعَـينكَ إنْ أَبْـدَتْ إَلَيكَ مَعَـايِباً **
فَصُنْهَا وَقُلْ يَاعَيْنُ لِلنَّاسِ أَعْينُ
يقول أحد تلاميذ الإمام الشافعي عنه أنّ الربيع بن سليمان قال :
" دخلت على الشافعي و هو مريض فقلت له : قوى الله ضعفك .. فقال : لو قوى ضعفي قتلني ..
فقلت : والله ما أردت إلا الخير .. قال : أعلم أنك لو شتمتني لم ترد إلا الخير "
هذا الأمر في من تعرف جوهره أو يكون ظاهره على ذلك ..
فانظروا حفظكم الله فأن الشافعي من شدة ما يعرف عن جوهر الطرف الآخر ومكنونه .. أعلم لو شتمتني لم ترد إلا خيرا .
لنفسي أبكي لست أبكي لغيرها **
لنفسي من نفسي عن الناس شاغلُوالأمر أشمل وأعم في من لا تعرف .. أن يكون الأصل لديك هو إحسان الظن والتماس الأعذار لعل الله يعاملك بالمثل
ويوفق لك من يحسن الظن فيك ويلتمس لك العذر في القول والنية .
واختم بقول الله سبحانه وتعالى فى توجيهه لعباده الأصفياء الأتقياء الأنقياء أمثالكم ..
{
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا
أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ }
( سورة الحجرات 12 )
وقول حبيبكم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة قال :
{
إياكم والظن , فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا , ولا تقاطعوا , ولا تدابروا ,
وكونوا عباد الله إخوانا ............ } .
صحيح البخاري - صحيح مسلم - مسند الإمام أحمد - سنن الترمذي